عندما تغيب المراقبة والمحاسبة يصبح المال العام سائبا وعرضة للنهب والسرقة ولقمة سائغة للمجرمين ذوي السلوك المنحرف الذين يستغلون مناصبهم ومواقع المسؤولية التي يتقلدونها والوظائف الموكولة إليهم وما ينسجونه من علاقات لسرقة أموال الشعب وتحويلها إلى حساباتهم الخاصة ويستغلونها لتحقيق مصالحهم الضيقة.
فلولا غياب المراقبة والمحاسبة وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب بكثير من الجماعات الترابية ما رأينا كل هذا التهافت على انتخابات مجالسها واستعمال كل الوسائل القذرة للحصول على عدد الأصوات الذي يمكنهم من التسلط عليها وتحويلها إلى مصدر للرتزاق وجمع الثروات غير المشروعة حتى لو أدى ذلك لإيقاف عجلة التنمية.
فعندما تمر عقود من الزمن على جماعة لم تعرف خلالها أية عملية تفحص أو تفتيش رغم الاختلالات الكثيرة التي تشوب تدبير شؤونها الإدارية والمالية، ويتعاقب على تسييرها الكثيرون يكون كل واحد منهم ثروة مما يختلسة من أموالها ثم يرحل في أمن وسلام، فسيتكون شعور لدى الناس بأن ميزانية تلك الجماعة مال سائب لا يترتب على سرقته أية محاسبة أو عقاب.
فمثلا هناك جماعات بإقليم برشيد فاحت منها روائح نتنة لجرائم نهب واختلاس على امتداد عقود من الزمن، وأصبحت جرائم النهب والاختلاس التي اقترفها رؤساء تلك الجماعات حديث العادي والبادي، وحقائق لا يمكن إنكارها أو التستر عليها، بل وكانت موضوع مواد إعلامية وبيانات وبلاغات سياسية، وشكايات من بعض المنتخبين، لكن رغم كل ذلك لم تكلف أية مؤسسة رقابية نفسها حتى مجرد معرفة ما يجري في كواليس تلك الجماعات.
إن الحديث الإصلاح والبناء يبقى مجرد كلام بلا مضمون، وأسطوانة مشروخة تتردد عليها معزوفة نشاز تطرب الناس بالحديث عن التنمية والإصلاح، بينما ترسل للمسؤولين رسائل مشفرة تطمئنهم وتقول لهم إنهبوا واختلسوا وتلاعبوا كما شئتم فإنكم محصنون من أية محاسبة أو مساءلة أو عقاب، وأن القوانين التي تتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة إنما هي مسكنات تعطي الأمل في الإصلاح ولا تحققه.
0 تعليقات