وليكون شبابنا في مستوى المهام الملقاة على عاتقه لابد أن يتحرر من اليأس والإحباط، وينفض عنه غبار الكسل والخمول ويتمرد على الواقع المتعفن بكل ما فيه من أشكال الحرمان وما يخيم عليه من غيوم البؤس والحزن بدل الاستمرار في اجترار مأساة معاناته في صمت وكأنما ينتظر أن ينزل الفرج من السماء، و كأنه لا يعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فمن أراد حياة سعيدة وعيشة كريمة وسعى لها سعيها وهو ثابت على الحق فسيعطيه الله حياة السعداء والشرفاء الأحرار وإلا عاش أبد الدهر بين حفر الذل والشقاوة والهوان.
وعليه أن يستجيب لنداء الواجب، والضمير المؤمن بالله الواثق فيه والمتوكل عليه حق التوكل لكي يستجيب الله لتطلعاته ويعطيه حياة سعيدة وعيشة كريمة. وعليه أن لا يبقى مستسلما لخوفه وعجزه ومستمرا في عدم الاهتمام والعناية بقضايا أمته ووطنه وكأن الأمر لا يعنيه من بعيد أو قريب أو كأنه لا يعلم أنه لا مستقبل له غدا يعيشه إلا المستقبل الذي سيبنيه اليوم بيده.
إن الشباب هو ربيع الأمة الذي تزدان به ميادين البذل والعطاء، وطاقتها التي تعطيها القدرة على التقدم والازدهار والإصلاح، إلا أن الحماسة والفتوة لا تكفي وحدها لبناء مجتمع قوي ومزدهر، بل إنها تحتاج إلى حكمة الكبار لتوجيهها التوجيه الصحيح نحو ما يصلح حال الأمة وينهض بها، وتنقيها من شوائب التهور والاندفاع الأعمى نحو المجهول.
لقد تعبد الله الإنسان بحسن إعمار الأرض، وشرع له من الدين ما لا ينصلح حاله إلا به، ووعده بالخير كله إذا سار على المحجة البيضاء، فليكن شبابنا ربانيين مستمسكين بالعروة الوثقى التي لا تنفصم، حتى يكونوا مستحقين لحياة طيبة في الدنيا والآخرة.
وإن أعظم ما يعمر به الإنسان الأرض، القيم الإيمانية والأخلاقية لدين الإسلام، والتي يريد لها البعض أن تنهار في مجتمعنا وجند لذلك دعاته واستنفر له كل قوته واستعان بكل ما هو متاح له من وسائل كي يتفكك ويضعف معلنا بذلك حربا ضروسا لا تبقي ولا تذر وراءها إلا الانحلال والميوعة تهاجم الناس في كل مكان، في البيوت والمدارس والطرقات وحتى في المساجد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " إن مما أدرك الناس من زمن النبوة الأولى: إن لم تستحي فاصنع ما شئت".
إن الذي ينظر في أحوال شبابنا هذه الأيام يرى واقعا لا يسر إلا أعداء أمتنا وديننا، فقد تفشت بينهم أمراض اجتماعية من أكثرها خطورة الانسلاخ الكلي من الحياء والتلبس بالانحلال الفكري والخلقي، يلاحظ ذلك في كلامهم ولباسهم وهندامهم ... حتى إن كثيرا من الشباب بات يعتقد أن الرجولة الحقيقية هي التحرر من أي ضابط أخلاقي أو وازع ديني يمنعه من فعل أي شيء حتى ولو كان الإلقاء بنفسه إلى التهلكة.
ومن هذه الأمراض كذلك، مرض استشرى بشكل مخيف بين تلاميذ المؤسسات التعليمية، وهو الغش الذي بات يعتبره البعض حقا مكتسبا ويعتبر كل من ينكر عليه ذلك عدوا له ومن يساعده عليه إنسان متحضر وحكيم.
أما علاقات الفتيات بالذكور فقد كسرت كل حدود العفة والحشمة، وشاعت الفاحشة بشكل مخيف حتى إن المرء ليخيل إليه مما يرى أن العفة قد استؤصلت من المجتمع استئصالا، والحشمة أبيدت عن آخرها.
أيها الشباب، إنكم تعتقدون أن السعادة في أن تفعلوا ما تشاءون، وأن تتخلصوا من كل الضوابط الأخلاقية، لكنكم عندما تفعلون، إنما تحققون ظن إبليس في بني آدم عندما قال له إفعل ما آمرك به فإني جار لك، فعندما كفر قال له إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، وتذكروا قول ربكم "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليرهما سوءاتهما".
0 تعليقات